بيوتنا كيف تكون سعيدة ؟
ما معنى حيوية البيت ؟
هل في الجدران ؟ هل في المفروشات ؟ أم أن تكون في : أن يكون البيت محراب دين , ومعهد دراسة , وأنس حياة , يقول تعالى : { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } النحل : 80 .
فالسكن يعني : الراحة والاستقرار والأمان والاطمئنان والسكينة والسرور والسعادة ، هذه هي كلمات البيوت السعيدة ، التي تتحول إلى أحلى حياة ، في نشاط وانتعاش , وهذه هي حيوية بيوتنا لماذا بيوتنا نريدها سعيدة ؟
السعادة تنبع من داخل البيت ، ومن يظن أن الأسباب الخارجية , هي المسؤولة عن السعادة ، فليسأل نفسه : هل أدامت هذه الأسباب السعادة ؟
ربما تكون وقتية ، فنخدع بها ، ولكنها سرعان ما تنهار عند العواصف ، لأن الأركان غير متوفرة , وأول فهم لهذه الأركان ، أن نعتقد بأن سعادة البيت تنبع من داخله ، ولذلك فهي تنبعث من طاقة وزاد ، وخير ما يدفع الإنسان إلى البهجة هي ( الطاقة الإيمانية ) ، وخير ما يجعله يستمر هو ( الزاد الخلقي ) ، فالأولى تملأ القلوب ,والثانية تملأ النفس , ومن هنا تمتلئ بيوتنا بالسعادة والبهجة ، فلا يُنظر في صور البيوت أو أشكالها ، سواء كانت قصراً أم كوخاً ، أو بكثرة الأثاث أو غلاء المفروشات , وإنما ينظر إلى الأساس .
فما أساس البيوت السعيدة ؟
أساس البيوت السعيدة وفق هذا المعنى ثلاث :
إجمالاً : الرضا و الشكر و القناعة.
وقد فصّلها الله تعالى ، كأساس للبنيان القوى الشديد , في قوله تعالى :
{ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان , خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم , والله لا يهدى القوم الظالمين }.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم , صور هذا الأساس في مظاهر, إن توفرت يستطيع الإنسان أن يحكم بذلك على حياته ، يقول صلى الله عليه وسلم : [ من أصبح منكم : آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ].
فالدنيا تختزل كلها ، لتصبح في بيوتنا ، في ثلاث متعات : بالأمان والعافية وقوت اليوم ، وهي التي يجب على كل أفراد الأسرة أن يتعاونوا من أجل تحقيقها , فإن توفرت , فقد امتلكت البيوت الدنيا ، التي تأتي إلى البيت مرغمة ، ولم لا ؟ وكل أفراد البيت , يتعاونون ... يتشاركون ... يجتهدون ، في الوصول إليها .
بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
( كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم , كما ورد : من جريد مغطى بالطين ، وأحجار مرصوصة ، وسقف من جريد النخل ) .
وليس معنى ذلك أن تكون بيوتنا اليوم كذلك ، ولكن حينما نتفق أن الأساس ليس في الجدران أو الأثاث أو السقف ، وإنما على أمور أخرى ، فنحن نؤكد على توفر الأسس ، ثم يكون ما بعد ذلك كما يكون !.
ولذلك نستقي من خلال هذا العرض لبيوت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة أركان قد توفرت , ووفرت البهجة والسرور ، وهى :
1- العبادة والطاعة .
2- التواضع والبساطة .
3- الزهد في الدنيا .
نرى هذه الأركان ونشاهدها ،حينما ندخل بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، يقول الراوي : ( حجرة من طين ، ملحق بها حجرة من جريد , مستورة بكساء من شعر ) .
أما مكونات البيت :
ــ سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف
ــ عليه وسادة من جلد حشوها ليف
ــ وقربة ماء
ــ وآنية من فخار لطعامه وشرابه صلى الله عليه وسلم
والسؤال المطروح :
هل يمكن تحويل بيوتنا إلى هذه الصورة ؟
أم المقصود أن تتوفر في بيوتنا البساطة والقناعة ؟
أترك لكم الإجابة ، ولكن من باب التعاون معاً ، تعالوا نبحث عن رأى الإسلام الذي قدمه في هذا الأمر أربع من سعادة البيوت :
الإسلام لا يحول بين أن ينعم الإنسان ببيت واسع ، ولذلك فالبيت ليس في صغره أو كبره ، إنما في الإيمان والقناعة والطمأنينة والسلوك القويم .
وقد فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذه الصورة المضيئة الجميلة في قوله : [ أربع من السعادة المرأة الصالحة والسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء ]
والسؤال : هل البيت يتعامل مع النعمة بالتعالي على الآخرين والتفاخر، أم بإظهار فضل المنعم وهو الله تعالى ؟
يقول تعالى : { ولئن شكرتم لأزيدنكم } إبراهيم : 7 ، فما في البيت من نعم الله يستوجب الشكر ، فالشكر ينميها ويزكيها ويزيدها ، حتى الحديث عنها فهو من باب نشر هذا المعنى ، ولذلك يقول تعالى : { وأما بنعمة ربك فحدث } الضحى : 11 .
والإنسان حينما يتحدث عن نعمة الله بأنها من المنعم ، فهو يعظم الله أولاً ، ويدعو الناس إلى شكره تعالى ثانياً ، ويكون قدوة ايجابية لغيره من البيوت ثالثاً ، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في تفسير هذا المعنى :
[ إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ]
ولنتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم : [ على عبده ] ، أي من توفرت فيه الطاقة والزاد اللذان يدفعانه إلى إظهار نعمة الله عليه ، والتحدث بها ، ولن يتوفرا في داخل البيت ، إلا بإعلان وتحقيق عبودية البيت لله تعالى ، فما البيت العابد إلا بأفراد عابدين .
وهذا يجعلنا نتساءل : هل البيت يتعامل مع الدنيا فينشغل بنعيمها عن طاعة الله ، أم ينشغل بالطاعة وبناء بيت في الجنة ؟
يقول الشاعر :
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيهما
فإن بناها بخير طاب مسكنها
وإن يناها بشر خاب بانيها
ومن أجمل الإجابات ، أن تكون الإجابة بالموقف لا بالكلام ، وهذا مشهد لرجل يبنى بيتا ، فمر عليه على بن أبى طالب فقال له :
لقد كنت ميتاً فصرت حياً
وعن قليل تصير ميتاً
تبنى لدار الفناء بيتاً
فابن لدار البقاء بيتاً .
ولذلك نريد أن تكون بيوتنا في أيدينا ، بكامل بهائها وعظمتها ، ولا تكون فى قلوبنا ، فنحرم أنفسنا من بناء بيت في دار البقاء .