لما مات بعض الخلفاء اختلفت الروم واجتمعت ملوكها ، فقالوا : "الآن يشتغل المسلمون بعضهم ببعض ، فتمكننا الغرة منهم ، والوثبة عليهم" ، وعقدوا لذلك المشاورات وتراجعوا فيه بالمناظرات ، وأجمعوا على أنه فرصة من الدهر ، وكان رجل منهم من ذوي العقل والمعرفة والرأي غائبا عنهم ، فقالوا :" من الحزم عرض الرأي عليه " ، فلما أخبروه بما أجمعوا عليه ، قال : " لا أرى صوابا " ، فسألوه عن علة ذلك ، فقال :" في الغد أخبركم أن شاء الله " .
فلما أصبحوا ، أتوا إليه ، وقالوا : " وعدتنا أن تخبرنا في هذا اليوم بما عولنا عليه " ، فقال : " سمعا وطاعة" ، وأمر بإحضار كلبين عظيمين كان قد أعدهما ، ثم حرش بينهما ، وحرض كل واحد منهما على الآخر ، فتواثبا ، وتهارشا ، حتى سالت دماؤهما ، فلما بلغ الغاية ، فتح باب بيت عنده ، وأرسل على الكلبين ذئبا كان قد أعده لذلك ، فلما أبصراه تركا ما كانا عليه ، وتألفت قلوبهما ، ووثبا جميعا على الذئب فقتلاه ، فأقبل الرجل على أهل الجمع ، فقال :"مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب ، لا يزال الهرج بين المسلمين ما لم يظهر لهم عدو من غيرهم ، فإذا ظهر تركوا العداوة بينهم ، وتألفوا على العدو" فاستحسنوا قوله واستصوبوا رأيه " .